ويقال لهم أيضاً: أنتم تقولون: إن نصب الإمام ضرورة تقتضيها مصلحة العباد وتدبير أمورهم، ونظم شملهم، وإقامة العدل بينهم، وتبيين الأحكام لهم، ولذلك وجب أن يكون معصوماً كالنبي، لأن وظيفته النيابة عنه، فنقول: أيهما أنفع للأمة: إمام غير معصوم، ولكن رفع الله به الدين، وأعلى به كلمة الإسلام، وجاهد في الله حق جهاده، وقسم بين الرعية بالعدل، وأمَّن الطرق، وأقام الحدود، أم المعصوم الذي لم يفعل شيئاً من ذلك، ولم يستفد منه الناس، بل تضرر كثير من أتباعه، ولم تتحقق به مصلحة.
وأيضاً أنتم تقولون: إن الغرض من الخلافة النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي هذا الدين يحرسه الخلفاء، فنسألهم: مَنْ مِنْ أئمتكم فعل ذلك؟
إن أعظم أئمتهم هو علي رضي الله عنه، وقد تولى في زمن فتنة، وكان القتال بينه وبين المسلمين قائماً على ساق، وكان جهاد الكفار معطلاً، وأفضل ما عمل هو قتله للخوارج، وهذا عمل جليل بلا ريب، ولكنهم يعدون من المسلمين عند جمع من العلماء، بل عنده هو رضي الله عنه، أما من جاء بعده من أئمتهم فلم يحكموا، فـالحسن تنازل عن الخلافة، وغيره لم يحكم أصلاً، إذاً فحكمة الله بطلت بالكلية؛ لأنهم يقولون: إن من حكمته أن يكون الإمام كاملاً معصوماً، ليحرس الدين ويؤمن المسلمين، وهذا لم يقع لأئمتهم.
ونحن نقول: إن الإمام بشر يخطئ ويصيب، ولكن الأفضل من هؤلاء البشر هو الذي يكون إماماً للمسلمين، وهؤلاء الذين كانوا أئمة فعلاً كـأبي بكر الذي هزم الله به المرتدين، وقطع دابرهم؛ وابتدأت الفتوحات في عهده، ثم جاء عمر رضي الله عنه ففتح الله له المملكتين: فارس والروم، فدانتا وخضعتا له، فكانا أنفع للمسلمين مع أنهما غير معصومين.